العناصر المؤلفة للحضارة أو التمدّن هي العناصر الموضوعية المشتركة من قبيل اللغة، التاريخ، الدين، العادات والتقاليد السائدة في المجتمع. وعلى هذا الأساس لم يأل علماء الشيعة جهدًا طوال حياتهم لترسيخ الهوية الشيعية وبلورة نمط عيش مستقل يستلهم من التعاليم النورانية للأئمة الأطهار^، ليتسنّى عبر وضع منشور للحياة الحضارية للشيعة إدخال التعاليم الدينية إلى الحياة الاجتماعية وصيانة عناصر الهوية الشيعية وفي نفس الوقت الحؤول دون ظهور نزاعات مذهبية. وفي هذه الأثناء عمد الشيخ المفيد (ت 413هـ) نظرًا لمعاصرته حكومة البويهيين الشيعية (322- 448هـ)، إلى تدوين كتابه مسارّ الشيعة بغية إعادة تعريف وبلورة حياة حضارية (تمدنية) للشيعة مبنية على تعاليم أهل البيت^ وليكون بمثابة روزنامه للسلوك اليومي لحياة الشيعة بأفراحها وأتراحها. تحاول هذه المقالة بأسلوب وصفي تحليلي دراسة جهود الشيخ المفيد في تشكيل وتقنين الحياة الحضارية (التمدنية) للشيعة في ضوء الكتاب المذكور. ومن النتائج التي خرج بها هذا البحث أنّ الشيخ المفيد كان يؤكّد على الحياة التوحيدية وانعكاس التعاليم الإسلامية على الحياة الحضارية (التمدنية)، والحفاظ على المعتقدات الدينية، والتعاطي والتعاون مع المذاهب الأخرى، وتوسيع النشاط الاجتماعي تمهيدًا لترسيخ مفهوم الأمة في المجتمع.